موقع مؤسسة الإمام الكاظم عليه السلام ـ المكتبة العامة ـ مكتبة العقائد الإسلامية
الإمام الثاني عشر
تأليف
العلامة الحجة المرحوم السيد محمد سعيد الموسوي آل صاحب العبقات
تحقيق العلامة السيد علي الميلاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأوصيائه الطيبين الطاهرين لا سيما خاتمهم المهدي المنتظر ، واللعنة على أعدائهم أجمعين .
أما بعد : فلقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنص على (أن الله تعالى سيبعث رجلا في آخر الزمان من أهل البيت ، فيملأ الله تعالى به الأرض قسطا وعدلا ، بعدما ملئت ظلما وجورا ) ولذلك أصبح الاعتقاد بالمهدي عجل الله تعالى فرجه من المجمع عليه بين المسلمين ، بل من الضروريات التي لا يدانيها أي شك . وهكذا أجمعوا - إلا من شذ - على أنه أرواحنا فداه من ولد فاطمة الزهراء ( ع ) . ثم أجمع الشيعة الإمامية - ووافقهم أغلب علماء أهل السنة - على أنه ( ع ) من ولد الإمام أبي عبد الله الحسين السبط عليه السلام . وذهب بعضهم - وهم قلة يعدون بالأصابع - إلى أنه : من ولد الإمام الحسن الزكي السبط ( ع ) ، لحديث واحد زعموا أنه من الصحاح ، وتخيلوا أنه يدل على ذلك . وأجمع الشيعة الإمامية - ووافقهم الجمهور من غيرهم - على أنه ( ع ) خلف الإمام الحسن العسكري ( ع ) ، وأنكر ذلك بعضهم لحديث ضعيف استندوا إليه . وهكذا أجمعوا - وذهب إليه أكثر علماء أهل السنة وهو المشهور بينهم - على أنه عليه السلام مولود حي موجود . وخالف فيه بعضهم . وهم قليلون جدا .
===============
(1)
هذا أهم المواضيع التي كانت - ولا تزال - موضع البحث بين العلماء ، وهناك مباحث أخرى فرعية ، مثل : كيفية غيبته ، ومحل غيبته عليه الصلاة والسلام.
ولما كان عمره - روحي فداه - منذ غيبته حتى الآن يتجاوز الأحد عشر قرنا ، فقد أصبح موضع شبهة لبعض الناس واستغراب الآخرين . ثم تساءلوا : لماذا هذه الغيبة الطويلة ؟ وما السبب الداعي لغيبته ؟ وما الفائدة من إمام غائب ؟ وكيف يكون إماما وهو في الخامسة من عمره ؟ وقد اتخذ آخرون هذه الشبهات ذريعة للطعن في مذهب أهل البيت الطاهرين ، والتشنيع على شيعتهم ! ! . . والكتب المؤلفة في أخبار الإمام المهدي المنتظر - أرواحنا فداه - من الشيعة وغيرهم - قديما وحديثا - كثيرة جدا ، هذا بالإضافة إلى الكتب المؤلفة في الأئمة الاثني عشر ( ع ) حيث ذكرت أخباره فيها باعتبار أنه الإمام الثاني عشر ، وخاتم أئمة أهل البيت ( ع ) . بل من النادر خلو أي كتاب سواء كان في التاريخ أو الحديث أو الأنساب أو غيرها - من أخباره ( ع ) أو من طرف منها . وقد تصدى العلماء لدفع تلك الشبهات - التي أشرنا إليها سابقا - بالأدلة القويمة والشواهد الثابتة من الكتاب والسنة والتاريخ ، فأظهروا الحق جليا واضحا كالشيخ المفيد في ( الفصول العشرة ) و ( العيون والمحاسن ) والسيد الشريف المرتضى في ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) ( ع )
===============
(2)
وله في ( الأمالي ) كلام في المعمرين وطول العمر أجاب به على دعوى استحالته عادة - وشيخ الطائفة في ( الغيبة ) والشيخ الإربلي في ( كشف الغمة في معرفة الأئمة ) والشيخ الطبرسي في ( إعلام الورى بأعلام الهدى ) والشيخ المجلسي في ( بحار الأنوار ) وغيرهم من علمائنا المتقدمين والمتأخرين . . وكالشيخ الحافظ الكنجي الشافعي في ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) والشيخ كمال الدين ابن طلحة الشافعي في ( مطالب السؤال في مناقب آل الرسول ) والشيخ الحافظ سبط ابن الجوزي في ( تذكرة خواص الأمة ) * * * وقد كثرت في عصرنا الكتب المؤلفة في الموضوع ، إذا أصبح البحث عن المهدي المنتظر عليه السلام من أهم البحوث التي تناولتها أفكار العلماء ، وأقلام الكتاب والمؤلفين ولكن يمكن القول بأن كتاب ( الإمام الثاني عشر للمرحوم الحجة السيد محمد سعيد الموسوي ) من أحسن ما كتب حول هذا الموضوع فقد حوى - على صغر - أمهات المسائل المتعلقة بهذا الإمام عليه السلام ، واشتمل على فوائد جليلة ومباحث قيمة ، فنقل كلمات جملة من علماء أهل السنة وحفاظهم وعرفائهم الصريحة في أنه - عجل الله فرجه - حي موجود وأنه ولد الإمام الحسن العسكري من ولد الإمام الحسين بن علي ، مع ترجمة لكل منهم باختصار ، منوها عن جلالة الرجل
===============
(3)
وعظمته لدى تلك الطائفة . ثم تكلم - باختصار - عن عصمة الأئمة ( ع ) وأنهم محصورون - بمقتضى الأحاديث المتواترة - في اثني عشر إماما من قريش وبني هاشم وأهل البيت خاصة . ثم تطرق إلى موضوع صغر سن الإمام ومشكلة العمر ، وبالتالي بين - باختصار – سبب غيبته وأشار إلى نظير ذلك في التاريخ . وقد ألف السيد الموسوي قدس سره هذا الكتاب ردا على كلمة لمحمد أمين السويدي البغدادي في ( سبائك الذهب ) ، الكلمة التي قال شيخنا الحجة الأكبر الشيخ اغا بزرگ الطهراني قدس سره أنها قد حذفت في الطبعة الثانية من الكتاب ( 1 ) وسيأتي نصها في مقدمة المؤلف . وقد طبع الكتاب ( الإمام الثاني عشر ) في النجف الأشرف سنة 1355 في مطبعة الغري . أما مؤلف الكتاب : فهو ( 2 ) : السيد محمد سعيد ابن السيد ناصر حسين ابن السيد حامد حسين ابن السيد محمد قلي الموسوي النيسابوري الهندي الكنتوري اللكنهوي . ولد سنة 1333 هجرية بمدينة ( لكنهو ) ، وتوفي بالقرب منها قبل بضع سنين . وكان : عالما ، فاضلا ، مجتهدا ، بارعا ، متكلما ، محققا ، مؤلفا . دراسته العلمية : كان رحمه الله قد تتلمذ عند والده المرحوم وكبار علماء الهند في عهده ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته العلمية ، فحضر البحوث العالمية لدى أعاظم المجتهدين ، حتى بلغ الدرجات السامية ، وأصبح من فضلاء الحوزة العلمية ، وشهد له أساتذته بالاجتهاد
* ( هامش ) * ( 1 ) الذريعة ج 2 ص 319 . ( 2 ) هذه الترجمة ملخصة من تقديمنا لكتاب ( عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار ) بتعريبنا بالاشتراك مع السيد فاضل الميلاني . ( * )
===============
(4)
ومن أشهر أساتذته في الفقه والأصول :
1 - آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سره . 2 - آية الله العظمى الشيخ اغا ضياء العراقي قدس سره . مؤلفاته : وقد ألف السيد المترجم له - بالإضافة إلى ما كتب من مجلدات عبقات الأنوار - كتبا قيمة علمية كثيرة الفائدة ، وهي : - 1 - مسانيد الأئمة ، وهو كتاب ضخم ، رأينا قسما كبيرا منه في المكتبة الناصرية العامة بلكنهو 2 - الإيمان الصحيح وهو : ( كتاب تحقيقي علمي يبحث عن العقائد الصحيحة تحت أشعة القرآن الشريف ) ( 1 ) 3 - مدينة العلم . بحث فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : [ أنا مدينة العلم وعلي بابها ] ووجوه دلالته على إمامة أمير المؤمنين ( ع ) ، وكان قد ألفه عندما كان في النجف الأشرف ، ويظهر من ( الذريعة ) ( 2 ) أنه كان قد قدمه إلى الطبع حينذاك ، إلا أنه لم يتم طبعة . 4 - معراج البلاغة . كتاب جمع فيه خطب الرسول الأعظم ( ص ) . 5 - آية الولاية ، كتاب فيه بعض الأدلة الرصينة الدالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على ضوء قوله تعالى : [ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ] ( 3 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) الذريعة ج 2 ص 514 . ( 2 ) نفس المصدر ج 20 ص 251 . ( 3 ) سورة المائدة . ( * )
===============
( 5 )
6 - آية التطهير ( 1 ) ، وهي قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ] ( 2 ) 7 - الإمام الثاني عشر ( وهو هذا الكتاب ) . أسرته : والمؤلف من أسرة عريقة في الفضل والفضيلة والجهاد . . قال الشيخ الحجة الطهراني ما نصه : ( إن هذا البيت الجليل من البيوتات التي غمرها الله برحمته . فقد صب سبحانه وتعالى على أعلامه المواهب ، وأمطر عليهم المؤهلات ، وأسدل عليهم القابليات ، وغطاهم بالإلهام ، وأحاطهم بالتوفيق ، فقد عرفوا قدر نعم الله عليهم فلم يضيعوها بل كرسوا حياتهم ، وبذلوا جهودهم وأفنوا أعمارهم في الذب عن حياض الدين ، وسعوا سعيا حثيثا في تشييد دعائم المذهب الجعفري . فخدماتهم للشرع الشريف ، وتفانيهم دون إعلان كلمة الحق غير قابلة للحد والإحصاء ، ولذا وجب حقهم على جميع الشيعة الإمامية ، ممن عرف قدر نفسه ، واهتم لدينه ومذهبه . . ) ( 3 ) . والده : من أعلام هذه الأسرة ، ومن كبار مجتهدي الطائفة . . . كان : فقيها عظيما
، * ( هامش ) * ( 1 ) من الآيات الواردة في فضل أهل البيت ( ع ) والدالة على عصمتهم وإمامتهم وأهليتهم للاقتداء بهم . . ( 2 ) سورة الأحزاب . ( 3 ) أعلام الشيعة ( الكرام البررة ) ج 2 ص 148 ( * )
===============
( 6 )
ومحدثا جليلا ، ومتكلما كبيرا ، ومؤلفا محققا . . . حائزا لجميع العلوم ، إماما في كافة المجالات قال سيدنا الحجة الأمين العاملي : ( إمام في الرجال والحديث ، واسع التتبع ، كثير الاطلاع ، قوي الحافظة لا يكاد يسأله أحد عن مطلب إلا ويحيله إلى مظانه من الكتب مع الإشارة إلى عدد الصفحات ، وكان أحد الأساطين والمراجع في الهند ، وله وقار وهيبة في قلوب العامة . . . ) ( 1 ) وقال العلامة الشيخ محمد علي المدرس : ( السيد ناصر حسين الملقب ب ( شمس العلماء ) ابن صاحب ( العبقات ) المتقدم ذكره : . . . . . كان : عالما متبحرا ، فقيها أصوليا ، محدثا رجاليا ، كثير التتبع واسع الاطلاع ، دائم المطالعة ، من أعاظم علماء الهند ، والمرجع في الأحكام لأهالي تلك البلاد ) ( 2 ) . وقال العلامة الشيخ محمد هادي الأميني : ( إمام في الفقه والحديث والرجال والأدب ) ( 3 ) جده : وجده السيد حامد حسين . . . أثنى عليه كل من ذكره الثناء البالغ ، وإليك بعض الكلمات في حقه :
* ( هامش ) * ( 1 ) أعيان الشيعة ج 49 ص 107 - 108 ( 2 ) ريحانة الأدب في المعروفين بالكنية واللقب ج 4 ص 144 - 145 ( 3 ) معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف منذ ألف عام ص 390 ( * )
===============
( 7 )
قال سيد الأعيان الحجة الأمين : ( كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة ، والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف ، علامة نحريرا ، ماهرا بصياغة الكلام والجدل ، محيطا بالأخبار والآثار ، واسع الاطلاع ، كثير التتبع ، دائم المطالعة لم ير مثله في صناعة الكلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره ، بل وقبل عصره بزمان طويل ، وبعد عصره حتى اليوم . ولو قلنا : أنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الإمامية بعد عصر ( المفيد ) و ( المرتضى ) لم نكن مبالغين . يعلم ذلك من مطالعة كتابه ( العبقات ) ، وساعده على ذلك ما في بلاده من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر ، وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء . وكان جامعا لكثير من فنون العلم ، متكلما . محدثا ، رجاليا ، أديبا ، قضى عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة ، ( 1 ) وقال شيخنا الحجة الطهراني : ( . . . من أكابر متكلمي الإمامية ، وأعاظم علماء الشيعة المتبحرين في أوليات هذا القرن . . . كان كثير التتبع ، واسع الاطلاع والإحاطة بالآثار والأخبار والتراث الإسلامي ، بلغ في ذلك مبلغا لم يبلغه أحد من معاصريه ولا المتأخرين عنه ، بل ولا كثير من أعلام القرون السابقة . . . وقال سيدنا الحسن الصدر في ( التكملة ) : كان من أكابر المتكلمين ، وأعلام
* ( هامش ) * ( 1 ) أعيان الشيعة ج 18 ص 371 . ( * )
===============
( 8 )
وقال الشيخ العلامة المدرس التبريزي : ( حجة الإسلام والمسلمين ، لسان الفقهاء والمجتهدين ، ترجمان الحكماء والمتكلمين ، علامة العصر مير حامد حسين . من ثقات وأركان علماء الإمامية ، ومن وجوه وأعيان فقهاء الاثني عشرية ، وكان جامعا للعلوم العقلية والنقلية ، بل من آيات الله وحجج الفرقة المحقة ، ومن مفاخر الشيعة بل العالم الإسلامي بأسره ، ومن أسباب افتخار قرننا بصورة خاصة على سائر القرون . . . ) ( 2 ) . وقال الشيخ المحدث المحقق القمي : ( السيد الأجل العلامة ، والفاضل الورع الفهامة ، الفقيه المتكلم المحقق ، والمفسر المحدث المدقق ، حجة الإسلام والمسلمين ، آية الله في العالمين ، وناشر مذهب آبائه الطاهرين ، والسيف القاطع ، والركن الدافع ، والبحر الزاخر ، والسحاب الماطر الذي شهد بكثرة فضله العاكف والبادي ، وارتوى من بحار علمه الظمآن والصادي . . . ) ( 3 ) . بهذه الكلمات وأمثالها وصفوا السيد حامد حسين صاحب ( عبقات الأنوار ) وجد المؤلف .
( هامش ) * ( 1 ) أعلام الشيعة ج 1 ص 347 . ( 2 ) ريحانة الأدب ج 3 ص 432 . ( 3 ) الفوائد الرضوية ص 91 - 92 . وانظر هدية الأحباب له ص 177 . ( * )
===============
( 9 )
وقد رأيت من الضروري - في هذه الأيام - إعادة طبع الكتاب ونشره ، بمقدمة وجيزة تشير إلى مكانة المؤلف وأسرته ، وتعاليق جيدة ( 1 ) تتم بها فائدة الكتاب . . . والله من وراء القصد ، وهو ولي التوفيق . كربلاء المقدسة على الحسيني الميلاني 10 رمضان المبارك 1392 .
* ( هامش ) * ( 1 ) هي الهوامش المبدوة بالنجمة هكذا ( * ) . ( * )
===============
( 10 )
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنعم علينا بآلائه وأياديه ، والصلاة والسلام على من أرسله هدى ورحمة للعالمين وآله الذين اصطفاهم أئمة وهداة للناس . وبعد فلما كانت مسألة الغيبة ، ووجود بطلها القائم بالسيف ، والعدل المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا الحجة الإمام المهدي بن الحسن العسكري ( عليهما السلام ) الغائب عن الأبصار ، من المسائل التي ينبغي أن تكون في الجلاء كالشمس في رابعة النهار ، والتي تأبى من الارتياب ، ولا يتسع المجال فيها للشك ، ولكن حب الخلاف قد يدعو الكثيرين إلى الخروج عن كل ما تقوله الإمامية ، وينظرون إليه بأنظار عليها غشاء العصبية ، وينكرونها كإنكارهم الشمس في رأد الضحى ويتجاهلونها كتجاهل العارف حنقا وغيظا . ومنهم : أبو الفوز محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي ، صاحب كتاب ( سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ) إذ مع اعترافه فيه بأن الأخبار لكثيرة تدل على أن قبل القيامة يأتي المهدي الذي هو القائم في آخر الوقت ، وأنه يملأ الأرض عدلا وقسطا ، وبأن عليه إجماع علماء الإسلام ، ينكر وجوده الآن ، وغيبته الصغرى والكبرى ، ويخالف ما أجمع عليه المؤمنون وكبار محدثيهم ، وأوثق ثقاتهم ، بدون اختصاص فرقة من الفرق ( كما سيأتي توضيحه بما ننقله عنهم ) بأنه ( أعني محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام ) هو : المهدي ( ع ) القائم بالسيف قبل قيام القيامة وأنه موجود الآن .
===============
( 11 )
ومن أعجب العجاب ، أن ذلك الفاضل الجليل ، قد أراد أن يبطل ذلك القول بأصول الشيعة التي أصلوها للإمامة ، من باب أن نصب الإمام لطف ، وكل لطف واجب على الله تبارك وتعالى ، فنصب الإمام واجب عليه تقدس وعلا . ولقد طبع ذلك الكتاب ( سبائك الذهب ) أخيرا مع هذه الزخارف ، في إحدى مطابع النجف الأشرف ، بدون رد عليه ، أو حاشية تشير بفساد هذا الزعم وبطلانه فعثر عليه بعض أحبتنا الكرام - كما اطلع عليه الكثير من أهالي النجف وقاطنيها - فأمرني أن أرد عليه ردا خاليا عن الإطناب الممل والإيجاز المخل ومع عرفاني بأن سواعدي قصيرة عن تناول هذه المنية ، وعواتقي لا تحتمل مثل هذا العب ء ، بادرت إلى الإجابة مخافة أن تسري هذه المكروبات التخيلية الفاسدة ، إلى أذهان النشئ الجديد ، فيدخلها من دون إذن ، وهي خالية من القوى الدافعة لهذا الزعم الباطل ، مستعينا بلطف الرب الجليل ، ومتكلا عليه ، وهو الموفق والمعين .
===============
( 12 )
متن الكتاب
كلمة السويدي فأقول : لقد قال هذا الفاضل في كتابه ( سبائك الذهب ) 78 ، لما وصل إلى اسم محمد بن الحسن العسكري ( ع ) ما لفظه : ( وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، وكان مربوع القامة ، حسن الوجه والشعر ، أقنى الأنف ، صبيح الجبهة . وزعم الشيعة أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه ، سنة مائتين واثنتين وستين ، وأنه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة ، وله قبل قيامه غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى . قلت : ومما يبطل كون المهدي محمد هذا هو المنتظر قبل الساعة : أصولهم التي أصلوها للإمامة وهي ما ذكروا في كتبهم من أن نصب الإمام واجب على الله تعالى ، وأنه لا يجوز على الله أن يخلو (الظاهر : يخلي ) الزمان من الإمام ، وعندهم الإمامة محصورة في
===============
( 13 )
هؤلاء الاثني عشر الذين ( 1 ) ذكرناهم ، وهم الذين يوجبون العصمة لهم ( * ) ، فيقتضي أن الله قد ترك ما هو واجب عليه من عدم نصب المهدي إماما بعد موت أبيه ، بل أخر ذلك إلى آخر الزمان . إن قالوا : إنه إمام الآن . فنقول : وأي فائدة من إمام مختف عاجز ، لا يقدر على رفع الظلم ؟ مع أن زمان الأئمة الذين قبله كان أقرب لنبي الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ، وقد ظهروا ، وهذا الزمان أحوج إلى ظهور الإمام فيه ، لبعده عن عصر النبوة ، وزيادة الجور فيه . والذي اتفق عليه العلماء : أن المهدي هو القائم في آخر الزمان ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة ليس هذا الموضع محل ذكرها ، لأن هذا الكتاب لا يتسع لنقل مثل هذا ) انتهى ما قال . الرد أقول : ومما يشيب الطفل الصغير ، ويهرم الشيخ الكبير عجبا ، قول ذلك الفاضل : - ومما يبطل كون المهدي محمد هذا هو . . . الخ ، لأنه ادعى ولم يأت بالدليل عليه ، وكيف يمكن لأحد أن يقيم برهانا على هذه الدعوى الفاسدة ، ويتسنى لمن له عقل سليم ، أن يثبت أن دعوى المهدي ( ع ) هو محمد بن الحسن ( ع ) القائم بالسيف يبطلها أصولنا التي أصلناها للإمامة ؟ ! في حين أنها هي المثبتة لوجود صاحب الزمان ، وكونه قائما بالسيف . فإنا نقول ( 2 ) : إن الإمام يحث الناس على الطاعات ، ويصدهم عن المعاصي ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الظاهر : الذين . ( * ) نوجب العصمة للنبي والصديقة الزهراء والأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام في جميع أدوار حياتهم ، وفي جميع أقوالهم وأفعالهم . ( 2 ) أنظر ( شرح التجريد للعلامة ) ص 284 - 285 = ( * )
===============
( 14 )
ويمنعهم عن التغالب والتهاوش ، ويبعثهم على التناصف والتعادل ، وكل من يصدر منه هذه الأمور فهو لطف ، فالإمام لطف ، وكل لطف واجب على الله تعالى ، فنصب الإمام واجب عليه تقدس ، ما دام الناس موجودين ، ولو كان زمنهم أبعد الأزمنة عن عصر النبوة . لا يقال الإمام إنما يكون لطفا ، إذا كان متصرفا بالأمر والنهي ، وأنا لا نقول به ، فما نعتقده لطفا ، لا نقول بوجوبه ، وما نقول بوجوبه ليس بلطف : لأنا نقول : إن وجود الإمام نفسه لطف بوجوه : أحدها : أنه يحفظ الشرائع ، ويحرسها عن الزيادة والنقصان وثانيها : أن اعتقاد المكلفين بوجود الإمام ، وتجويز نفوذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عنم الفساد وتقربهم إلى الصلاح . وهذا معلوم بالضرورة ، كما عليه فرقتنا الناجية ، بعدما عرفت ولي الله في عصرها وإمامها ، فإنها تقرب إلى الصلاح وترتدع عن الفساد في الدين وغيره . وثالثها : إن تصرف الإمام لا شك أنه لطف ، وذلك لا يتم إلا بوجوده ، فيكون وجود نفسه لطفا ، وتصرفه لطفا آخر . ولأنا نقول (أنظر ( تلخيص الشافي ) و ( الغيبة ص 11 ) لشيخ الطائفة ، و ( شرح ) التجريد ) للعلامة ص 285 - 286 ) : الإمامة اللطفية يعتبر فيها ثلاث جهات : الأولى منها : ما يجب على الله تعالى ، وهو خلق الإمام ، وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه ، وهذا قد فعله الله تعالى في صاحب الزمان ، لأنه قال في كتابه المبين للنبي ( ص ) : [ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ] (سورة النجم) ،
===============
( 15 )
فظهر أن كلما يقول ويأمر به النبي ( ص ) هو عن أمر الله عز وجل ، والنبي ( ص ) قد قال بإمامة صاحب الزمان وأخبر عنه ، وأمر بإطاعته ، كما وصل إلينا من الأخبار الكثيرة ، والروايات الجمة المتواترة ، من أوثق مصادرها ، فلو لم يكن نصبه من الله عز وجل قد نصب المهدي بن الحسن ( ع ) إماما لنا ، وهو صاحب زماننا عجل الله فرجه . والثانية : ما يجب على الإمام ، وهو تحمله للإمامة وقبوله لها ، وهذا قد فعله الإمام صاحب الزمان ( ع ) ، كما يظهر من الروايات الكثيرة التي فيها ذكر الذين وصلوا إلى خدمته ، في زمان غيبته الصغرى ( * ) . والثالثة : ما يجب على الرعية ، وهو مساعدته ، والنصرة له ، وقبول أوامره وامتثال قوله ، ومن المعلوم أن الرعية لم تكن تساعده وتنصره ، وتقبل أوامره ، كما لم تفعل مع أئمتنا الذين مضوا قبل هذا الإمام ، فغيبته وحضوره من هذا الجهة سواء ( * * ) . وبهذا يندفع بالكلية ما أشكل به بقوله ، فنقول : وأي فائدة في إمام مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم ؟ مع أن هذا الإشكال بزعم هذا الفاضل يجري في الله تبارك وتعالى عن ذلك أيضا
* ( هامش ) * ( * ) ولذلك عين خلفاء واحدا بعد الآخر وهم عثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمد بن عثمان ، وأبو القاسم الحسين بن روح ، وعلي بن محمد الصمري ، ليكونوا الواسطة بينه وبين الشيعة ، والأبواب إليه ، وكان ( ع ) يجيب على الأسئلة على أيديهم ، ويبلغون الأحكام عنه إلى الشيعة هذا في الغيبة الصغرى وأما في الكبرى فقد أرجع الشيعة إلى فقهاء الطائفة وأمرهم بأخذ الأحكام منهم والانقياد له باعتبارهم خلفائه عليهم . كل هذا مع ما أشار إليه المؤلف دليل على تحمله للإمامة ، وقبوله للقيام بأعبائها ( * * ) قال المحقق الطوسي نصير الملة والدين رضي الله عنه : ( وجوده لطف وتصرفه لطف آخر ، وعدمه منا ) التجريد ص 285 بشرح العلامة ( * )
===============
( 16 )
لأن الله - وهو أجل من جميع المخلوقات - مختف عن أبصارنا كما يدل قوله عز وجل : [ لا تدركه الأبصار ] ( 1 ) ، وهو أقدر من الإمام على رفع الظلم لأنه مستجمع لجميع الصفات الكمالية ، ومع ذلك كله لا يرفع الظلم والمناكير والفواحش من الناس ، فيقال : - تقدس شأنه عن ذلك كله وتعالى - : ما الفائدة في أن الله تعالى مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم ؟ ! وأما ما قال : زعم الشيعة : 1 - أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه سنة مائتين واثنتين وستين و 2 - أنه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة ، و 3 - له قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى ، و 4 - عندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الاثني عشر ، و 5- وهم الذين يوجبون العصمة لهم . فنقول : إن مثل هذا الكاتب الكبير ، لا يحسن به أن ينسى أو يتناسى ما يذهب إليه جماعته ، وأهل مذهبه ، فإن أعاظم علماء أهل السنة شار كونا في الأربعة الأخيرة . وأما الزعم الأول : فلا أدري من أين أثبت أنه من رأي الإمامية ومذهبهم وهو ما لا يذهب إليه أحد منهم ( * ) ، وعلى كل تقدير فليس هو من الأصول في المذهب ، والشؤون الكبيرة من الباب ، لأن الشأن كله في إثبات غيبته سواء كانت في السرداب أو غيره .
* ( هامش ) * ( 1 ) سورة الأنعام . عقيدتنا في السرداب ( * ) أقول : ليس هذا الرجل أول من نسب هذا الاعتقاد - وهو الاعتقاد بغيبة الإمام ( ع ) في السرداب في مدينة سامراء - إلى الشيعة الإمامية ، بل قد سبقه في ذلك جماعة من علماء طائفته ، كابن حجر ، وابن طولون ، وابن الوردي . . . ولقد زاد بعضهم على هذا بقوله : أن الشيعة يعتقدون ببقائه ( ع ) في السرداب فينتظرون خروجه منه ، ومن هؤلاء ابن تيمية في ( منهاج السنة ! ! )
===============
( 17 )
ومن هؤلاء أيضا [ . . . . . . . ] = ابن خلدون حيث قال في ( المقدمة ص 352 ) عن الاثني عشرية ما نصه : ( يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم - وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي - دخل السرداب بدارهم بالحلة وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هناك ، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا ، ويشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي ، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك ، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركبا فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد ) ولا يخفى ما فيه من أغلاط وافتراءات . وقد أخذ هذا آخرون ممن تقدم وتأخر منهم ، حتى أن قائلهم قال : ( أما آن للسرداب أن يلد الذي . . . هذا ، ومن العجيب أنهم لم يذكروا ، أو ينوهوا عن حديث واحد جاء من طرق الشيعة مفيدا لهذا المعنى المدعى ، أو اسم كتاب لعالم من علمائهم نقلوا عنه ذلك ! على أن هذا الاعتقاد لم يأت في أي كتاب للشيعة في أي موضوع كان ، وهذه كتبهم منتشرة بفضل المطابع ، متوفرة لكل أحد أضف إلى ذلك : أن علماء هذه الطائفة ينفون هذه النسبة ، ويعدونها من جملة المفتريات التي لا أصل لها والموجهة إلى الشيعة الإمامية . فقد قال الحجة الكبير الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك وغيره من مصادر الحديث لدى هذه الطائفة ، قال في ( كشف الأستار ص ) : ( نحن كلما راجعنا وتفحصنا لم نجد لما ذكروه أثرا ، بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلا . . . ) وقال آية الله السيد صدر الدين الصدر - قدس سره - في كتاب ( المهدي ص 155 ) : ( وأما بعض ما يقوله في هذا الباب بعض عوام الشيعة ونسبه إلينا كثير من خواص أهل السنة فلا أعرف له مدركا ، ولم أجد له مستندا ) . وقال الشيخ الإربلي رحمه الله في ( كشف الغمة ج 3 ص 283 ) :
===============
( 18 )
[ . . . . ] = ( والذين يقولون بوجوده لا يقولون أنه في سرداب ، بل يقولون أنه موجود ، يحل ويرتحل ، ويطوف في الأرض . . . ) وقال شيخنا الحجة المجاهد الشيخ عبد الحسين الأميني في ( الغدير ج 3 ص 308 - 309 ) في دحض مفتريات القصيمي صاحب كتاب ( الصراع بين الإسلام والوثنية ) قال ما نصه : ( وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام . والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب ولا هم غيبوه فيه ولا أنه يظهر منه ، إنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت ، ولم يقل أحد في السرداب : أنه مغيب ذلك النور ، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء ، وأن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر ، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين وأنه كان مبوأ لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة ، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت ، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه . وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2 ص 198 : أن هذا السرداب المنوه به في الحلة ، ولا يقول القرماني في أخبار الدول : أنه في بغداد ، ولا يقول الآخرون : أنه بسامراء . ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو ، فيطلق لفظ السرداب ليستر سوأته . . . ) فعلم أنه لا دليل لما ذكر السويدي وغيره ، ولا مستند لهم في هذه النسبة لا في حديث من الأحاديث ، ولا في كلام لواحد من العلماء ، وناهيك بهؤلاء النافين أئمة نياقد ، وأعلاما محيطين بالأخبار والآثار . =
===============
( 19 )
[ . . . . . . . . ] = إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن الأمر بالعكس من ذلك ، فلقد أرسله بعض علماء أهل السنة إرسال المسلم ، مما يدل على أنهم هم القائلون به . ومن هؤلاء : الحافظ السيد جمال الدين الشيرازي صاحب ( روضة الأحباب ) حيث قال - في عبارته الآتية في الكتاب - ما ترجمته ( قد غاب في سرداب في سر من رأى ) . ومنهم : قاضي القضاة ابن خلكان حيث قال بترجمة الإمام الحسن العسكري ( ع ) في ( وفيات الأعيان ج 1 ص 372 ) ( وهو والد المنتظر صاحب السرداب ) . ومنهم : ابن الصباغ المالكي حيث حكى القول بغيبته ( ع ) في السرداب من غير رد عليه . كما سيأتي في الكتاب . ومنهم : الحافظ الكنجي الشافعي حيث قال في ( البيان ) ما نصه : ( وأما الجواب عن أفكارهم بقاؤه في سرداب من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان : أحدهما : بقاء عيسى ( ع ) في السماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه ، وهو بشر مثل المهدي ( ع ) ، فكما جاز بقاؤه في السماء - والحالة هذه - فكذلك المهدي ( ع ) في السرداب . فإن قلت : إن عيسى ( ع ) يغذيه رب السماء من خزائن غيبه . قلت : لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي ( ع ) إليه في غذائه . فإن قلت : إن عيسى خرج عن طبيعته البشرية . قلت : هذه دعوى باطلة ، لأنه تعالى قال لأشرف الأنبياء : قل إنما أنا بشر مثلكم فإن قلت : اكتسب ذلك من العالم العلوي . قلت : هذا يحتاج إلى توقيف ولا سبيل إليه . والثاني : بقاء الدجال في الدير - على ما تقدم - بأشد الوثائق مجموعة يداه إلى =
===============
( 20 )
وأما الأمور الأخر التي زعم اختصاص الشيعة في الذهاب إليها ، والقول بها ، فهو قول عار عن الاطلاع ، والسبر لمذاهب السلف من قومه ، وإليك كشف القناع عن هذه الحقيقة ، لتعرف الحق حقا فتتبعه . فنقول : فأما الزعم الأول والثاني منها ، وهو : أن محمدا هو صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة ، وأن له قبل قيامه غيبتين ، إحداهما أطول من الأخرى - = عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبه بالحديد ، وفي رواية : في بئر موثوق ، وإذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه ، فما المانع من بقاء المهدي مكرما من غير الوثاق ؟ إذ الكل في مقدور الله تعالى . فثبت : أنه غير ممتنع شرعا ولا عادة ) وهنا قال الشيخ الإربلي بعد نقله ما ذكر : ( فأما قوله : أن المهدي ( ع ) في سرداب وكيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه ؟ فهذا قول عجيب وتصور غريب ، فإن الذين أنكروا وجوده ( ع ) لا يوردون هذا ، والذين يقولون بوجوده لا يقولون أنه في سرداب ، بل يقولون أنه حي موجود يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك وينقلون قصصا في ذلك وأحاديث يطول شرحها . . . ) وبعد هذا كله فهل تبقى قيمة لما ذكره السويدي ؟ ! ملاحظة : - لا ينافي ما تقدم احترامنا لهذا السرداب ، وتقديسنا له ، وذلك لما ثبت عندنا - وصرح به جماعة من المؤرخين والمحدثين - من أن هذه الأرض الواسعة بما فيها السرداب الطاهر ، والمحيطة بالبقعة المباركة التي دفن فيها الإمامان الحسن العسكري ووالده الهادي عليهما السلام وغيرهما من أهل البيت ، كانت موضع سكنى الإمامين وعوائلهما وذويهما ، وعليها منازلهم ودورهم . فالسرداب إذا بقعة يجب تقديسها والتبرك بها ، ولذلك ورد الأمر بزيارة الإمام المهدي وذكره ( ع ) في هذا المكان الطاهر .
===============
( 21 )
فهو مما طفحت به كتب القوم ، مصرحة بهذا الزعم ، من دون تلويح أو تلميح : ( 1 ) العلامة ابن طلحة فمنهم الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي ، وقد عقد في كتابه ( مطالب السئول في مناقب آل الرسول ) فصلا خاصا ( 1 ) لذكر الإمام الحجة المنتظر . وقد ذكر أنه ابن الحسن العسكري ( ع ) ، وبعد أن أفاض في البيان عن حليته ، وشمائله ، وكيفية حكمه ، أخذ بسرد البراهين على وجوده ، وإثبات أنه هو المهدي القائم بالسيف ، بما يوجب طمأنينة القلوب ، وإنقاع غللها ، وما يدرأ شكوك المشككين وإليك نص بيانه : قال : ( الباب الثاني عشر : في أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص ابن علي المتوكل ابن محمد القانع ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ، شعر : فهذا الخلف الحجة قد أيده الله هداه منهج الحق وآتاه سجاياه وأعلى في ذرى العلياء بالتأييد مرقاه وآتاه حلي فضل عظيم فتحلاه وقد قال رسول الله قولا قد رويناه وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه
* ( هامش ) * ( 1 ) ص 293 ( * )
===============
( 22 )
ويكفي قوله مني لإشراق محياه ومن بضعته الزهراء مرساه ومسراه ولن يبلغ ما أدته أمثال وأشباه فمن قالوا هو المهدي فما مانوا بما فاهوا وقد رتع من النبوة في أكناف عناصرها ، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها وترع من القرابة بسجل معاصرها وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها ، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها ، واعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها ، واجتنى جنا الهداية من معادنها وأسبابها ، فهو من ولد الطهر البتول ، والمجزوم بكونها بضعة من الرسول ، فالرسالة أصلها ، وأنها لأشرف العناصر والأصول ، فأما مولده فبسر من رأى ، في ثالث وعشرين رمضان ( * ) سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة . وأما نسبه أبا وأما ، فأبو محمد الحسن الخالص ابن علي المتوكل ابن محمد القانع ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين الزكي ابن علي المرتضى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا . وأمه أم ولد تسمى : صقيل ، وقيل : حكيمة ، وقيل : غير ذلك . وأما اسمه : فمحمد ، وكنيته : أبو القاسم ، ولقبه : الحجة ، والخلف الصالح وقيل : المنتظر .
* ( هامش ) * ( * ) الصحيح : أن ولادته عليه الصلاة والسلام كانت في النصف من شعبان - لا في الثالث والعشرين من رمضان - وفي سنة خمس وخمسين ومائتين لا ثمان وخمسين . وهذا هو الصحيح وعليه أكثر علماء أبناء السنة المذكورة عباراتهم في هذا الكتاب وغيرهم . ( * )
===============
( 23 )
وأما ما ورد عن النبي ( ص ) في المهدي من الأحاديث الصحيحة : فمنها : ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي كل واحد منهما بسنده في ( صحيحه ) يرفعه إلى أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : [ المهدي مني ، وأجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، ويملك سبع سنين ] . ومنها : ما أخرجه أبو داود بسنده في ( صحيحه ) يرفعه إلى علي ( ع ) قال : قال رسول الله ( ص ) : [ لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله رجلا من أهل بيتي ، يملأها عدلا كما ملئت جورا ] . ومنها : ما رواه أيضا أبو داود في ( صحيحة ) يرفعه بسنده إلى أم سلمة زوج النبي ( ص ) قالت : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : [ المهدي من عترتي من ولد فاطمة ] . ومنها : ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمى . ب ( شرح السنة ) ، وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم ، كل واحد منهما بسنده في ( صحيحه ) يرفعه إلى أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : [ كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ] . ومنها : ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في ( صحيحهما ) يرفعه كل واحد منهما بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال : قال رسول الله ( ص ) : [ لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ] وفي رواية أخرى ( لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ) .
===============
( 24 )
هذه الروايات عن أبي داود والترمذي . ومنها : ما نقله الإمام أبو إسحاق بن محمد الثعلبي في ( تفسيره ) يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( ص ) : ( نحن بنو عبد المطلب سادة الجنة : أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي ) . فإن قال معترض : هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها ، المصرحة بجملتها وأفرادها ، متفق على صحة إسنادها ، ومجمع على نقلها عن رسول الله ( ص ) وإيرادها وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة وأنه من رسول الله ، وأنه من عترته ، وأنه من أهل بيته ، وأن اسمه يواطي اسمه ، فإنه يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وأنه من ولد عبد المطلب ، وأنه من سادات الجنة ، وذلك مما لا نزاع فيه ، غير أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره من الصفات والعلامات ، هو : هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح ، فإن ولد فاطمة كثيرون ، وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة ، وأنه من العترة الطاهرة ، وأنه من أهل البيت ، فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم . فجوابه : إن رسول الله ( ص ) لما وصف المهدي بصفات متعددة ، من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة وإلى عبد المطلب ، وأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفا ، وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي ، وتثبت له الأحكام المذكورة ، هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ، ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره ، فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له ، وأنه صاحبها ، وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ، ولا يثبت .
===============
( 25 )
ما هو مدلوله ، قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله ( ص ) . فإن قال المعترض : لا يتم العمل بالعلامة والدلالة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره ، وتعينه لها ، فأما إذا لم يعلم تخصيصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة . ونحن نسلم أنه من زمن رسول الله ( ص ) إلى ولادة الخلف الصالح الحجة محمد ( ع ) ما وجد من ولد فاطمة شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره ، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال ، ونزول عيسى بن مريم ، وذلك سيأتي بعد مدة مديدة ، ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجددة ، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة كثيرة يتعاقبون ويتوالدون إلى تلك الأيام ، فمجوز أن يولد من السلالة الطاهرة ، والعترة النبوية ، من يجمع تلك الصفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة ، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة محمد المذكور ؟ . فالجواب : أنكم إذا عرفتم أنه إلى وقت ولادة الخلف الصالح ، وإلى زماننا هذا لم يوجد من يجمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه ، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه ، وما ذكرتموه من احتمال أن يتجدد مستقبلا في العترة الطاهرة ، من يكون بتلك الصفات ، لا يكون قادحا في إعمال الدلالة ، ولا مانعا من ترتيب حكمها عليها ، ، فإن دلالة الدليل راجعة لظهورها ، واحتمال تجدد ما يعارضها مرجوح ، ولا يحوز ترك الراجح بالمرجوح ، فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام ، إذ ما من دليل إلا واحتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه ، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقا ، والذي يوضح ذلك ويؤكده : أن رسول الله - فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج في ( صحيحة ) يرفعه
===============
( 26 )
بسنده - قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( يأتي عليك مع أمداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ، ثم من قرن كان به رص ، فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة ، هو بر لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر اسمه ونسبه وصفته وجعل ذلك علامة دلالة على أن المسمى بذلك الاسم ، المتصف بتلك الصفات : لو أقسم على الله لأبره ، وأنه أهل لطلب الاستغفار منه ، وهذه منزلة عالية ، ومقام عند الله تعالى عظيم ، فلم يزل عمر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله ( ص ) وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل أمداد اليمن من الموصوف بذلك ، حتى قدم وفد من اليمن ، فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك ، فلم يتوقف عمر رضي الله عنه في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله ( ص ) ، بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار ، وجزم أنه المشار إليه في الحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات . فإن قبيلة مراد كثيرة ، والتوالد فيها كثير ، وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود ، وكذلك قضية الخوارج لما وصفهم رسول الله ( ص ) بصفات ورتب عليها حكمهم ، ثم بعد ذلك لما وجدها علي ( ع ) موجودة في أولئك في واقعة حروراء والنهروان ، جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي وقاتلهم وقتلهم ، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة ، مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم ، وأمثال هذه الدلالة ، والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة ، فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح . ونزيده بيانا وتقريرا فنقول : لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعين العمل فيه ، والمصير إليه ، فمن تركه وقال : بأن صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم له ، ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي ،
===============
( 27 )
فقد عدل عن النهج القويم ، ووقف نفسه موقف المليم ، ويدل على ذلك : أن الله عز وجل وعلا لما أنزل في التوراة على موسى : أنه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء ، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة له ، وصار قوم موسى يذكرونه بصفاته ويعلمون أنه يبعث ، فلما قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهددون المشركين به ، ويقولون : سيظهر الآن نبي نعته كذا وصفته وكذا ، ونستعين به على قتالكم ، فلما بعث ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه ، وقالوا ليس هو هذا ، بل هو غيره وسيأتي ، فلما جنحوا إلى الاحتمال ، وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال ، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة الموجودة في الحال ، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة ، وجنحوا إلى الاحتمال وهذه القصة من أكبر الأدلة وأقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها ، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الدلالة فيه ، فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت الأحكام المذكورة موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد ، تعين إثبات كون المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال . فإن قال المعترض: نسلم لكم أن الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعين العمل بها ، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه ، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمد ، فإن من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يكون اسم أبيه مواطيا لاسم أب النبي ( ص ) ، هكذا صرح به الحديث النبوي على ما أوردوه وهذه الصفة لم توجد فيه ، فإن اسم أبيه الحسن واسم أب النبي ( ص ) عبد الله وأين الحسن من عبد الله ؟ فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة وإذا لم يوجد جزء العلة لا يثبت حكمها ، فإن الصفات الباقية لا تكفي في إثبات تلك الأحكام ، إذ النبي ( ص ) لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلا لمن اجتمعت تلك الصفاتفيه كلها التي جزؤها مواطاة اسمي الأبوين في حقه ، وهذه لم
===============
( 28 )
تجتمع في الحجة الخلف ، فلا يثبت تلك الأحكام له . وهذا إشكال قوي . فالجواب ( * ) : لا بد قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبنى عليهما الغرض : الأول : أنه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى ، وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعالى : ( ملة أبيكم إبراهيم ) ( 1 ) وقال تعالى حكاية عن يوسف ( ع ) : ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) ( 2 ) ونطق بذلك النبي ( ص ) في حديث الإسراء ، أنه قال : ( قلت : من هذا ؟ قال : أبوك إبراهيم ) . فعلم أن لفظة الأب تطلق على الجد وإن علا . فهذا أحد الأمرين . الأمر الثاني : أن لفظة الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة ، وقد استعملها الفصحاء ، ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث ، حتى ذكرها الإمامان -
* ( هامش ) * ( * ) يدل ما تقدم في أوائل كلامه ، وهكذا صريح عبارة الحافظ محمد پارسا الآتية وغيرهما على ورود هذا الحديث في ( صحيح أبي داود ) بلفظ آخر بدون هذه الجملة ، وسيأتي الكلام عليه بالتفضيل ، وخلاصته : أن هذه الجملة مزيدة في الحديث من رجل اشتهر بالزيادة في الأحاديث . وأما ما أجاب به ابن طلحة عن ذلك من التوجيهين الوجيهين ، إنما يأتي بعد غض النظر عما ذكر ، وبعد التسليم بصحة الروايات الواردة في الصحاح الستة ، وإلا فلا داعي للتأويل المذكور حملا له على الأحاديث الكثيرة ، وذلك بعد ثبوت وجود أحاديث ضعيفة وموضوعة فيها وفي ( الصحيحين ) فضلا عن غيرهما . ( 1 ) سورة الحج . ( 2 ) سورة يوسف . ( * )
===============
( 29 )
البخاري ومسلم كل منهما يرفعه إلى سهل بن سعد الساعدي ، أنه قال عن علي ( ع ) : ( أن رسول الله ( ص ) سماه بأبي تراب ، لم يكن له اسم أحب إليه منه ) فأطلق لفظة الاسم على الكنية ، ومثل ذلك قال الشاعر :
أجل قدرك أن تسمى مؤنته **** ومن كناك فقد سماك للعرب
ويروى : ومن يصفك : فأطلق التسمية على الكناية أو الصفة ، وهذا شايع ذايع في لسان العرب فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين ، فاعلم أيدك الله بتوفيقه : أن النبي ( ص ) كان له سبطان : أبو محمد الحسن ، وأبو عبد الله الحسين ، ولما كان الحجة الخلف الصالح . محمد ، من ولد أبي عبد الله الحسين ، ولم يكن من ولد أبي محمد الحسن ، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله فأطلق النبي ( ص ) على الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه ، وأطلق على الجد لفظة الأب ، فكأنه قال : يواطي اسمه اسمي فهو محمد وأنا محمد ، وكنية جدة اسم أبي إذ هو عبد الله ، وأبي عبد الله ، لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز ، وحينئذ تنتظم الصفات ، وتوجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمد وهذا بيان كاف شاف في إزالة ذلك الإشكال فافهم ) انتهى كلام محمد بن طلحة الشافعي ( 1 ) . -
* ( هامش ) * ( 1 ) موجز ترجمته هو أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي الذي صرح تقي الدين أبو بكر أحمد بن شهبة المعروف بابن جماعة الدمشقي الأسدي في طبقات الشافعية ) مخطوط بأنه كان أحد الصدور والرؤساء المعظمين ، ولد سنة 582 ، وتوفي في سابع رجب سنة 652 . ويقول اليافعي في ( مرآة الجنان : ( الكمال محمد بن طلحة النصيبي ا