المقدمة :-
كثرت الشائعات والأقاويل عن المذنبات بوجه عام ، ومذنب هالي بشكل خاص ، حتى بات الناس يتخوفون من مجرد سماع أخبار المذنبات. لهذا وجدنا انه من الضروري أن نحيط القارئ الكريم بحقيقة المذنبات .
وما يترتب عليها من نتائج حال اقترابها أو اصطدامها بالأرض . ولما كان مذنب هالي المرتقب وصوله إلى نقطة قريبة من أرضنا في الحادي عشر من شهر نيسان من عام 1986 من أهم المذنبات التي أثارت الرعب عبر التاريخ الطويل للبشرية ، كان لا بد من إلقاء الضوء على هذا المذنب وإظهار مدى اهتمام العالم اجمع به . ولقد حاولنا ازاله الأوهام من أذهان الناس عما قد ينتابهم من مشاعر الخوف والقلق، موضحين الأبعاد العلمية لهذا الظاهرة الكونية.
ونأمل ان يجد القارئ ما يلبي طموحاته وتطلعاته لمعرفة خفايا هذا الكون، وان يجد في هذا المؤلف الفائدة والمتعه ، والاجابه على ما يجول في خاطرة من تساؤلات.
المؤلفان د. علي موسى ، د. مخلص الريس
مقدمة الطبعة :-
يسر المؤلفين أن يقدما إلى القراء الأعزاء الطبعه الثانية من كتاب المذنبات ، منقحة ومضاف إليها الكثير من المعلومات. وقد دفعهما إلى إصدار الطبعه الثانية عاملين هما :
أ – كثرة التساؤلات التي باتت تتردد على السنه الناس حول ما يمنكن ان يصاحب اقترب هالي في دورته الحالية من تغيرات في الاحوال الجوية . وقد حاولنا جاهدين تقديم صوره جلية لذلك في الفصل التاسع الذي اضيف كاملا الى الطبعه الاولى .
ب – تكشف بعض الحقائق الجديدة من خلال الراصدات والدراسات الحديثه مما دفعنا الى تقديمها مباشرة الى القارىء لاستجلاء الصورة اكثر في ذهنه.
وكان نصيب الطبعه الثانية اضافه عدد كبيرة من الصور والاشكال لتكون عونا للقارىء في تمكين المعلومات في مخيلته.
ومما لاشك فيه فقد كان لمذنب هالي القسط الاكبر من الاضافات. ونتمنى ان يجد القارىء في هذه الطبعه الاجابة على ما استجد لدية من تساؤلات .
المذنبات في نظر الاقدمين :-
تتبدل الأشياء باستمرار ولكن ببطء . وربما عاش الإنسان عمرا طويلا لا يواجه خلاله من الكوراث الطبيعية اكثر من عاصفة هوجاء ، ثم تصبح بعدها ذكرى قابله للنسيان فمنذ أن فتح الإنسان عينية على هذه الدنيا اخذ يجول ببصره أرجاء السماء والأرض يستطلع أسرارهما ويبحث في مكوناتهما وعاش ظواهر الطبيعة فبعث في قلبه الرهبة والعجب ، فاخذ يفسر حادثة الكسوف والخسوف على أنها ابتلاع وحش للشمس أو القمر وحادثة المد والجزر على أنها نوم البحر واستيقاظه وان سقوط النيازك هو غضب من السماء وزخات الشهب هو احتفال السماء وبشائر موعودة.
مـاهـي وجهه نظرهم الى المذنبات :-
أما عن ظهور مذنب فهو دليل فال حسن لدى البعض وفال سيئ لدى البعض وفال سيئ لدى البعض الآخر مما دفع الملوك والاباطره والاكاسره في القديم إلى اتخاذ المنجمين والعرافين مستشارين لهم في أمور الحكم والحرب .
ولقد شغلت مسالة ظهور المذنبات بال الناس كثيرا فقاموا بتسجيل وقائع ظهورها والحوادث التي تليها لاعتقادهم بوجود ارتباط بينهما. ولقد كان للمذنبات في بعض الأحيان أحداثا مباشرة مع الأرض ، فالحدث الذي لا يمكن تصور وقوعه خلاله مائة عام لا يمكن تصور اجتنابه خلال مائة مليون سنه .
فاحتمال حدوثه محتوم خلال تلك الفترة الطويلة ، وحتى على الأرض ذاتها وفي قرننا هذا حدثت عدة حوداث طبيعية عجيبة ، منها حادثة تنجوسكا (1908) التي اهتزت لها أوروبا اهتزازا شديدا ، وظهور مذنب هالي عام ( 1910) واكتشاف مذنبات عديدة.
محاولة ربط ظاهرة بأرخرى :-
يوجد في بعض المؤلفات الغريبة الحديثه محاولة لتفسير بعض الحوداث الطبيعية التاريخية القديمة جدا تفسيرا علميا.
مثل قصة طوفان نوح الذي عم الأرض قبل حوالي عشرين ألف سنه ، وورود ذكرها في كثير من تسجيلات شعوب الأرض كما جاء في ملحمة ( جلجاميش ) فقد فسر ذلك بأنه سبب سقوط مذنب ضخم في مياه الخليج العربي آنذاك ، وقد أدى سقوطة إلى تشكيل جدار هائل متحرك من الماء وهطول أمطار غزيرة غطت سهول الفرات والجزيرة وقضت على كثير من شعوب الأرض.
وكذلك عبور موسى للبحر الأحمر أثناء مطاردة منبتاح فرعون مصر له و لقومة اليهود بسبب شرورهم ، فقد حدث أن مذنبا ضرب البحر الأحمر وشطره إلى نصفين مما مكن موسى عبوره ونجاته ومن معه ، وحين وصل فرعون وجندة لهذا الحسر وعبرة كان جسم المذنب قد تفكك وتهشم حيث أن معظم تركيب المذنبات هو ثلج مائي وغازات واتربه ... ، فغرق فرعون ونجا موسى
ولقد ورد على لسان أحد الرهبان عام 66 ميلادية تحذير للناس بان السيف السماوي الضخم المعلق في سماء المدينة منذ عام كامل ولم يكن ذلك السيف سوى مذنب عرف فيما بعد باسم مذنب هالي. يبدو أن شعوب الأرض قاطبة تعرف هذا المذنب ولها معه مغامرات لاتنسى بعضها سعيد وبعضها تعيس ، وقد كانوا يتوارثون أخباره وحدوثه من جيل لاخر ، لانه كان يطل عليهم مره كل 76 سنه.
هل تسمية المذنب بهذا الاسم تسمية قديمة :-
إن تسمية المذنب بهذا الاسم عربية لنجم يجر وراءه ذيل حيث يسمية العرب بالنجم المذنب بينما الإغريق أسموه بالكوكب ذي الشعر وفي تسجيلات عام 1066 ميلادية وجد النص التالي : ظهرت علامة في الغرب وهي نجم كبير جدا ، ذو أشعه بلون الدم ، برز في السماء بعد غياب الشمس ومكث سبعه أيام ونتج عنه حروب داخليه وغزو الكومان ( من شعوب آسيا الوسطى ) للأراضي الروسية ، أن نجم الدم ينذر دوما بالقتال ... )
وكتب أحد المؤرخين عام 1378 ( ظهر حادث دامت علامته عدة أيام في السماء ، ففي الشرق وقبل الفجر برز عدة مرات نجم ذو نذنب بشكل حربة ، وكانت هذه علامة نذير شؤم وحدث غزو للأراضي الروسية من قبل التتر ، لكن دمرت سلطتهم بمعركة ليكوفر)) . وفي عام 1811 ظهر كوكب مذنب كبير ، وربطت بظهوره الثورة الفرنسية وحروب نابليون وغزوة للأراضي الروسية عام 1812.
ماذا في تاريخنا العربي من احداث تذكرنا بالمذنبات :-
في تاريخنا العربي نذكر المذنب هالي ذاته الذي ظهر عام 223 هجرية الموافق 837 ميلادية وذلك ايام الخليفة العباسي المعتصم قبل فتح عامورية حيث أشار علية المنجمون والعرافون بعدم غزوها حتى يحين موعد نضوج العنب والتين ، أو حتى يختفي المذنب الذي ارتسم في السماء ودام ظهوره أربعين ليلة.لكن المعتصم لم يأخذ بمثل تلك الخرافات وغزا عمورية وفتحها . ولقد نسج الشاعر العربي أبو تمام قصيدته المشهورة حول تلك الحادثة نذكر منها البيتين التاليين :-
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
والعلم في شهل الارماح لامعه ... بين الخميسين لا في السبعه الشهب
وفي تلك الفترة شوهد مذنب هالي في مكة والى يسار القبله وبقي يرى في سمائها نحوا من اربعين ليلة وله شبة الذنب وكان طويلا جدا فهال الناس وعظم عليهم وقد ورد ذلك في كتابات ابن الأثير الأديب العربي المعروف.
ظهر هذا المذنب مره أخرى إبان فتح محمد الفاتح للقسطنطينه ، فاثار ظهوره الفزع والذعر في نفوس الأوروبيين ، واعتبروه نذير شؤم لهم.
وفي عام 1910 عاود ظهوره واعتقد الفلكيون آنذاك بأنه سيمسح الأرض مسحا شاملا فانطلقت الصحف تنذر وتتندر باقتراب نهاية العالم ، وصدق ذلك كثيرون ودفع الخوف ببعضهم إلى الأقدام على الانتحار .فقد كان خوفهم من لحظة صدم المذنب بالارض اكثر من خوفهم من الموت .
وفعلا اخترق ذيل المذنب الارض حينئذ، وغدا الليل نهارا ذهبيا وصار الناس يسيرون ليلا في الطرقات وهو يغنون ويرقصون وشربون الانخاب احتفالا بنهاية العالم – ومازاد بهجتهم حلله الذهبية البراقة – ودام ذلك النهار الذهبي اثنا عشر يوما ، ثم افاقوا على حقيقية ان المذنب لن يصطدم بالارض لكن نهارة الذهبي الخداع كان يحمل في طياتع غازأ ساما هو غاز السيانوجين وخلافه .
ولحسن حظهم فقد كانت الارض تدافع عنهم وهم لا يشعرون ، فقد كانت كثافه الغلاف الجوي الارضي اعلى منها لغازات ذيل المذنب فلم يسمح جو الارض لتلك الغازات بدخولها الا بمقدار ضئيل جدا واقل من سموم تلوث الهواء بغازات المصانع انذاك.
ومع ذلك لم يبعد ذلك التشاؤم عن مخبلتهم حتى وقعت الحرب العالمية الاولى ، وجرت عليهم الويلات التي يخشونها . وها قد عاد المذنب مرة اخرى فاثيرؤت حولة الاقاويل والشائعات عن احتمال اصطدامة بالارض.
وانه قدر علينا نحن ابناء القرن العشرين الا نشاهد مذنب هالي فقط بل وان نصطدم به ، وان علينا ان نعيش هذا الحدث الذي احتمال وقوعه مرة مل مليون سنه ، فهل هذا صحيح؟ وما هي حقيقة هذا المذنب الذي ما فتئ يزعج سكان الارض كل جيل، ويطل عليهم كانه سيف ملتهب ، وماهي الطرق الواجب اتباعهل لتجنب اخطارة المحتملة ؟
ملاحظة : تاريخ اصدار الطبعة في الثمانينات