مِن أقوال الإمام المنتَظَر (عج) : جماعة من الشيعة وقع بينهم تشاجر في الإمامة، فكتبوا له (عليه السلام)، فورد جواب كتابهم بخطه (صلوات الله عليه):
(بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب، إنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا، يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردون، وفي الحيرة تنعكسون، أو ما سمعتم الله عز وجل يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون ويحدث في أئمتكم، على الماضين والباقين منهم (عليهم السلام)، أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها، من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)، كلما غاب عَلَم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون.
وإنّ الماضي مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه (عليهم السلام)، حذو النعل بالنعل، وفينا وصيته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسد مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر، ولولا أنّ أمر الله لا يغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب، فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين، وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد عليّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه،المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد عن حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة وسيردي الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والعاهات كلها برحمته، فإنّه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً).
عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن الاحتجاج إسحاق الطالقاني قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة
منهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل فقال له: أريد أن أسألك عن شيء، فقال له: سل عمّا بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو وليّ الله؟ قال: نعم. قال:
أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدوّ لله؟ قال: نعم. قال الرجل: فهل يجوز أن يسلّط الله عزّ وجلّ عدوّه على وليّه؟ فقال أبو القاسم قدّس الله روحه: افهم عنّي ما أقول لك، اعلم أنّ الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالكلام، ولكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولوبعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم،
فلمّا جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتّى تأتونا بشيء نعجز من أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه،
فجعل الله عزّ وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرّد، ومنهم من أُلقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً، ومنهم من
أخرج من الحجر الصلب الناقة وأجرى من ضرعها لبناً، ومنهم من فلق له البحر وفجّر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، ومنهم من انشقّ له القمر وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك فلما أتوا بمثل ذلك، وعجز الخلق عن أممهم من أن يأتوا بمثله، كان من
تقدير الله جلّ جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين، ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهةً من دون الله عزّ وجل، ولَما عُرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار، ولكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين، وليعلم العباد أنّ لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم
ومدبرهم فيعبدوه ويُطيعوا رسله، وتكون حجّة الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبيّة أوعاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل، وليهلك من هلك عن بيّنة ويحي من حيّ عن بيّنة. قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رض: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ره في الغد وأنا أقول في نفسي (أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه) فابتدأني وقال:
يا محمد بن إبراهيم لأن أخرّ من السماء فتختطفني الطير أوتهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليَّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجّة صلوات الله عليه وسلامه
أبوالحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى الأئمة ص أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله تعالى لأنّ
الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ، وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمة على ذلك وفوّض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر
محمّد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه، فإنّه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته
توقيع نسخته (إنّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق، لأنّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأمّا الأئمّة عليهم السلام فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقّهم
محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان
عليه السلام (أما ما سألتَ عنه أرشدك الله وثبّتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا، فاعلم أنّه ليس بين الله عزّ وجل وبين أحدٍ قرابة، ومن أنكرني فليس منّي، وسبيله سبيل ابن
نوح، وأمّا سبيل ابن عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام، وأمّا الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، وما
آتانا الله خير ممّا آتاكم، وأمّا ظهور الفرج فإنّه إلى الله وكذب الوقّاتون، وأمّا قول من زعم أنّ الحسين لم يُقتل فكفر وتكذيب وضلال، وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم
حجّتي عليكم وأنا حجّة الله، وأمّا محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي وكتابه كتابي، وأمّا محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكّه،
وأمّا ما وصلنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام، وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت، وأمّا أبوالخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع ملعون
وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم فإنّي منهم بريء وآبائ عليهم السلام منهم براء، وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النيران، وأمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا
وجُعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث، وأمّا ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكّين، وأمّا علّة ما وقع من
الغيبة فإنّ الله عزّ وجل يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد
من الطواغيت في عنقي وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ولا تتكلّفوا عِلم ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى
[فلا ظُهورَ إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكرُهُ وذلك بعد طول الأمد وقسوةِ القلوب وامتلاء الأرضِ جَوْراَ
سيأتي إلى شيعتي من يدّعي المشاهدة. ألا فمن ادعي المشاهدة قبلَ خروج السُّفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفترٍ، ولا قوّةَ إلا بالله العليّ العظيم.