" وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض و يذرك وآلهتك " قال : كان فرعون يعبد الاصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية ، فقال فرعون : " سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون " قوله : " قالوا اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا " قال : قال الذين آمنوا لموسى : قد اوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل أولادنا ، ومن بعدما جئتنا لما حبسهم فرعون لايمانهم بموسى ، فقال موسى : " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون " ومعنى " ينظر " أي يرى كيف تعملون ، فوضع النظر مكان الرؤية . وقوله : " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات " يعني السنين الجدبة لما أنزل الله عليهم الطوفان والج ؟
اد والقمل و الضفادع والدم .
وأما قوله : " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه " قال : الحسنة ههنا الصحة و السلامة والامن والسعة " وإن تصبهم سيئة " قال : السيئة ههنا الجوع والخوف والمرض " يطيروا بموسى ومن معه أي بتشأموا بموسى ومن معه . وأما قوله : " وقالوا مهما تأتنا به من آية لتحسرنا بها فما نحن لك بمؤمنين " إلى قوله : " فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين " فإنه لما سجد السحرة وآمن به الناس قال هامان لفرعون : إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه ، فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل ، فجاء إليه موسى فقال له : خل عن بني إسرائيل ، فلم يفعل ، فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية وضربوا فيها الخيام ، فقال فرعون لموسى : ادع ربك حتى يكف عنا الطوفان حتى اخلي عن بني إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان ، وهم فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فقال له هامان : إن خليت عن بني إسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك ، فقبل منه ولم يخل عن بني إسرائيل فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد ، فجردت كل شئ كان لهم من النبت والشجر حتى كانت تجرد شعرهم ولحيتهم ، فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا وقال : يا موسى ادع ربك أن يكف الجراد عنا حتى اخلي عن بني إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى ربكه فكف عنهم الجراد ، فلم يدعه هامان أن يخلي عن بني إسرائيل ، فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل ، فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة .
فقال فرعون لموسى : إن رفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل ، فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل ، وقال : أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان ، فلم يخل عن بني إسرائيل ، فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع ، فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ، و يقال : إنها كانت تخرج من أدبارهم وآذانهم وآنافهم ، فجزعوا من ذلك جزعا شديدا ، فجاؤوا إلى موسى فقالوا : ادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك ، فلما أبوا أن يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما ، فكان القبطي يراه دما ، والاسرائيلى يراه ماء ، فإذا شربه الاسرائيلي كان ماء ، وإذا شربه القبطي كان دما ، فكان القبطي يقول للاسرائيلي : خذ الماء في فمك وصبه في فمي ، فكان إذا صبه في فم القبطي تحول دما ، فجزعوا من ذلك جزعا شديدا ، فقالوا لموسى : لئن رفع الله عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل ، فلما رفع الله عنهم الدم غدروا ولم يخلوا عن بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الرجز وهو الثلج ولم يروه قبل ذلك فماتوا فيه وجزعوا وأصابهم ما لم يعهدوه قبله ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم الثلج فخلى عن بني إسرائيل ، فلما خلى عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه السلام وخرج موسى من مصر واجتمع عليه من كان هرب من فرعون ، وبلغ فرعون ذلك فقال له هامان : قد نهيتك أن تخلي عن بني إسرائيل فقد اجتمعوا إليه ، فجزع فرعون وبعث في المدائن حاشرين ، وخرج في طلب موسى . (1)
------
(1) البحار ج13 ص110