فحدثني محمد بن علي بن بلال ، عن يونس ، قال : اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان أعلم ؟
وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه ؟
فقال قاسم الصيقل : فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك ، فكتب في الجواب : أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا وإما متكئا ، فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس بها سلام ، فقال : من أنت ؟
قال : أنا موسى بن عمران ، قال : أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما ؟
قال : نعم ، قال : فما حاجتك ؟
قال : جئت لتعلمني مما علمت رشدا ، قال : إني وكلت بأمر لا تطيقه ، ووكلت بأمر لا اطيقه ، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء حتى اشتد بكاؤهما ، ثم حدثه عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول : يا ليتني كنت من آل محمد ، وحتى ذكر فلانا وفلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه ، وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه ، وذكر له تأويل هذه الآية : " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " حين أخذ الميثاق عليهم فقال موسى : " هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا " فقال الخضر : " إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " فقال موسى : " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا " قال الخضر : " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا " يقول : لا تسألني عن شئ أفعله ولا تنكره علي حتى اخبرك أنا بخبره ، قال : نعم ، فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر ، وقد شحنت سفينة وهي تريد أن تعبر ، فقال أرباب السفينة : نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون ، فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها وحشاها بالخرق والطين ، فغضب موسى عليه السلام غضبا شديدا ، وقال للخضر : " أخرفتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا " فقال له الخضر : " ألم أقل
إنك لن تستطيع معي صبرا " قال موسى : " لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " .
فخرجوا من السفينة فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر ، وفي اذنيه درتان ، فتأمله الخضر ثم أخذه وقتله ، فوثب موسى إلى الخضر وجلد به الارض فقال : " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " فقال الخضر له : " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " قال موسى : " لئن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا " فانطلقا حتى إذا أتيا بالعشي قرية تسمى الناصرة وإليها تنسب النصارى ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا غريبا ، فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم ، فنظر الخضر عليه السلام إلى حائط قد زال لينهدم ، فوضع الخضر يده عليه ، وقال : قم بإذن الله فقام ، فقال موسى عليه السلام : لم ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمونا ويؤوونا وهو قوله : " لو شئت لتخذت عليه أجرا " فقال له الخضر عليه السلام : " هذا فراق بيني وبينك سانبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " أما السفينة التي فعلت بها ما فعلت فإنها كانت لقوم مساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراء السفينة ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ، كذا نزلت ، وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا .
" وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين " وطبع كافرا ، كذا نزلت ، فنظرت إلى جبينه و عليه مكتوب : طبع كافرا " فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة وأقرب رحما " فأبدل الله والديه بنتا ولدت سبعين نبيا . " وأما الجدار " الذي أقمته " فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما " إلى قوله : " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا " (1)
------------
(1) البحار ج13 ص 278