القوانين العامة للكون :
للكون بسمواته وأرضه قانون واحد عام هو طاعة المخلوقات لحكم خالقها الله وقد عبر الله فى القرآن عن هذا القانون بالسجود فقال بسورة النحل "ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون "وعبر عنه بالتسبيح فقال بسورة الإسراء " تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده "إذا فمخلوقات الكون تسير وفق الأحكام التى وضعها الله لها ولولا وجود هذا القانون لفسد الكون وتم تدميره لتعارض أهواء المخلوقات إذا سار كل منها على هواه ولذا نجد الكون ثابت وإن كان يجرى التغيير فى كل مخلوق باستمرار .
الأسس العامة للنظام الكونى :
إن الله جعل للكون نظام يسير حسب أسس عامة تتمثل فى التالى :
1-تسخير ما فى الكون بسمواته وأرضه للناس وفى هذا قال تعالى بسورة الجاثية "وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه "والتسخير يعنى أن الله جعل للناس الاستفادة من كل المخلوقات سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ولا يعنى أن الله لم يجعل هذه المخلوقات ضارة للناس وهذا الضرر نفسه هو استفادة غير مباشرة فمثلا ضربات الشمس جعلت الإنسان يخترع المظلات والأدوية المضادة لها ومثل الثعابين جعلت الإنسان يستفيد من سمها فى علاج بعض الأمراض .
2-التوازن وهو أن كل نوع من مخلوقات الكون له مقدار معين يزداد أو يقل حسب ما يريد الله وهذا المقدار المحدد سببه هو ألا يفنى نوع نوع أخر وفى هذا قال تعالى بسورة الحجر "وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ".
3- التخصص الوظيفى وهو تحديد الله وظيفة مستقرة لكل نوع من المخلوقات لا تتغير بمرور الأيام يؤدى مهامها وفى هذا قال تعالى بسورة القمر "وكل أمر مستقر "والدليل ثبات الكون على نظامه الذى خلقه الله عليه .
4- الاختلاف فى الهيئات والمراد تغاير الأحجام والألوان والأجسام وطرق السير بين الأنواع فمثلا يدل على اختلاف ألوان المخلوقات قوله بسورة فاطر "فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه "ويدل على اختلاف الأحجام تقسيم الله لها للذرة وما أصغر منها وما أكبر منها فى قوله بسورة يونس "وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين "ويدل على اختلاف طرق المشى قوله تعالى بسورة النور"والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع ".
5- الرزق فالله جعل لكل نوع أطعمة معينة يتناولها عند الأكل وفى هذا قال تعالى بسورة هود"وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها "والملاحظ هو أن الأنواع تتغذى على بعضها فهناك نباتات تتغذى على التراب والماء وفى أحيان تتغذى على حيوانات والحيوانات تتغذى على النباتات وعلى بعضها والإنسان يتغذى على الإثنين.
6- الزوجية والمراد أن كل نوع يتكون من زوجين هما الذكر والأنثى وفى هذا قال بسورة الذاريات "ومن كل شىء خلقنا زوجين "وهذا يعنى أن كل الأنواع بلا استثناء تقوم على أساس التزواج حتى الملائكة وهى فصيل من نوع الجن لها زوجات وقد جعل الله أساس استمرار النوع الزواج للإنجاب .
7- الأممية ويقصد به أن كل نوع ينقسم إلى أمم أى جماعات مثلما ينقسم الناس إلى جماعات تسمى قبائل أى شعوب وفى هذا قال تعالى بسورة الأنعام "وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم "
8-المستقر والمراد أن لكل مخلوق مكان دائم يعيش فيه هو مسكنه وبيته والمقصود بالدوام وجود بيت وإن تغير مكانه وفى هذا قال تعالى بسورة هود"وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ".
9- النطق ويقصد به أن لكل نوع لسان أى لغة أو عدة لغات يتحدث بها وهى لغة كلامية وليست إشارية وفى هذا قال تعالى بسورة فصلت "قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء ".
10- الظلال والمراد أن لكل مخلوق ظل أى خيال مرئى أو غير مرئى يتبعه فى حركته من اليمين أو اليسار بدرجاتهم وفى هذا قال تعالى بسورة النحل "أو لم يروا إلى ما خلق الله من شىء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل ".
11- التكاثر ويقصد به إنجاب أفراد جديدة من الزواج أو غيره وله ثلاث طرق هى :
-الإنبات من الأرض أى أن الفرد الجديد يخرج من التوبة بالنمو من بذرة أو غيرها .
-من الأنفس وهو اجتماع بين منى الذكر والأنثى بطريق مباشر أو غير مباشر .
-مما يجهل الناس وهو مثل خلق أدم (ص)وزوجته (ص)وعيسى(ص)حيث لا توجد طريقة معروفة الخطوات لخلقهم وفى هذا قال تعالى بسورة يس "سبحان الذى خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ".
12- الإنجاب والعقم ويقصد بهذا أن الله هو الذى يعطى القدرة على الإنجاب ويمنعها وهو الذى يعطى المنجب ذكورا فقط أو إناثا فقط أو هما معا وفى هذا قال تعالى بسورة الشورى "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما"
13- حسن الخلق ويقصد به أن الله خلق كل مخلوق فى صورة حسنة جميلة حتى لو اعتقد الناس أنها قبيحة وفى هذا قال تعالى بسورة السجدة "الذى أحسن كل شىء خلقه ".
14-العمر والمراد أن الله حدد لكل مخلوق مدة يحياها فى الدنيا وهذه المدة تتناقص باستمرار منذ بدايتها وفى هذا قال تعالى بسورة فاطر "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا فى كتاب ".
15- الحركة ويقصد بها تبدل وضع المخلوق من خروج لدخول أو من دخول إلى خروج أو نزول لصعود ومن صعود لنزول وفى هذا قال تعالى بسورة سبأ "يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ".
16- التدرج فى النمو ويقصد بهذا أن المخلوق يبدأ فى الوجود صغير الحجم والوزن ثم يظل يكبر فى الحجم والوزن حتى يبلغ أشده وفى هذا قال تعالى بسورة الحج "ونقر فى الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم "وقال بسورة الروم "الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ".
17- الاضمحلال وهو ضعف المخلوق بعد قوته وتظهر عليه علامات الشيخوخة وفى هذا قال تعالى بسورة الروم "الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة "ومثال ذلك النبات الذى يخرج من الأرض ضعيفا ثم يقوى ويشتد ثم يصبح بعد القوة حطام وفى هذا قال تعالى بسورة الزمر"ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما ".
18-الموت وهو انتقال المخلوق من عالم الشهادة لعالم الغيب وهو البرزخ وفى هذا قال تعالى بسورة العنكبوت "كل نفس ذائقة الموت ".
19- الإبصار والمراد أن الله جعل لكل كائن حى بصر يرى به الأشياء الموجودة وللقانون شواذ خلق الله لها البصر ولكنها لا ترى لإصابتها بالعمى ولكل بصر حدود معينة فمثلا الإنسان يرى أشياء ولا يرى أشياء أخرى مصداق لقوله بسورة الحاقة "فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ".
20- السمع وقد جعل الله لكل كائن حى سمع أى آذان يسمع بها الأصوات المختلفة الصادرة من المخلوقات ولهذا شواذ خلق الله لها سمع أى آذان ولكنها لا تسمع بها وللسمع حدود معينة فى كل مخلوق وهو ما يسمى المجال السمعى وهذه الحدود لو تم تجاوزها لأصيب المخلوق بالجنون نتيجة سماعه لأصوات هائلة العدد فى وقت واحد .
21- التنفس وهو الشهيق والزفير وهما يختلفان من مخلوق لأخر فإذا كان هو فى غالب الأنواع هو إدخال وإخراج الهواء فإن هناك تنفس ليس به هواء مثل ما يحدث فى مخلوقات السماء حيث يقل الهواء ويندر مصداق لقوله بسورة الأنعام "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء" ومثال التنفس غير الهوائى تنفس الصبح وهو نوره وفى هذا قال تعالى بسورة التكوير "والصبح إذا تنفس "
22- صغر الحجم يؤدى لكثرة الأعداد فلو فكرنا بتمعن فيما حولنا من المخلوقات لوجدنا أن المخلوقات الكبيرة الحجم كالأفيال والحيتان أعدادها قليلة والمخلوقات المتوسطة كالإنسان عددها أكثر وأما المخلوقات الصغيرة الحجم كالنمل فأعدادها أكثر بكثير وأما المخلوقات الأصغر من ذلك فأعدادها هائلة .
23-صغر الحجم يؤدى لقصر مدة التكاثر فمدة الحمل فى المخلوقات الأكبر حجما كالأفيال تبلغ عدة سنوات وفى المتوسطة كالإنسان تسعة شهور وفى المخلوقات الصغيرة تعد بالأسابيع وفى المخلوقات الأصغر عدة أيام أو ساعات.
24- الكائنات الوسط وهى الكائنات الناتجة من جماع بين فردين أحدهما من نوع والأخر من نوع مختلف تكون كائنات عقيمة لا تنجب أفراد من نوعها ومثال هذا البغال فهى ناتجة من جماع الخيل والحمير وفى هذا قال تعالى بسورة النحل "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة "والكائنات الوسط تحمل صفات من النوعين وغالبا إن لم يكن دائما فإن الجماع الذى ينتج عنه كائن وسط يكون بين نوعين متشابهين فى صفاتهما تشابها كبيرا .